وجهة نظر

بوكماز ليست بخير… والوطن كله على المحك

بقلم الدكتور عبد الإله طلوع

لم تخرج آيت بوكماز إلى الشارع طمعا في الظهور أو بحثا عن الأضواء. خرجت لأن الصمت لم يعد يكفي، ولأن الإهمال الذي دام سنوات دفع السكان إلى آخر خياراتهم: الاحتجاج السلمي. احتجاجات آيت بوكماز لم تكن نزوة، بل تعبيرا عن سنوات من التهميش، من انتظار الطبيب، والماء، والطريق… عن وطن لم يصل إليهم بعد.

هناك، في عمق جبال أزيلال، لا تقاس الأيام بعدد الشهور، بل بعدد السنوات التي انقضت دون أن تصل أبسط مظاهر الدولة. كلما جاءت الوعود، تسربت مثل مياه السيول، مخلفة خلفها مزيدا من الطين… والغضب.

احتجاجات آيت بوكماز ليست حدثا محليا عابرا، بل مرآة لواقع أكبر. مرآة تعكس انقسام الوطن إلى مراكز تتكدس فيها الخدمات، وهوامش تبحث عن الحق في الحياة. انقسام في الرؤية، في التنمية، وحتى في المواطنة، حين يشعر البعض أنهم أقل انتماءً لهذا البلد فقط لأنهم يسكنون الجبل.

حين يتحول الوصول إلى المدرسة أو المستشفى إلى مغامرة، يصبح الحديث عن التنمية شعارا فارغا. وعندما يشعر المواطن في القرى الجبلية أن صوته لا يسمع، فإن الشرخ لا يكون في الجغرافيا فقط، بل في معنى الانتماء.

الدولة التي لا تأخذ العدالة المجالية بجدية، لا تهدد استقرار الهامش فقط، بل تهدد مستقبلها هي ذاتها. لأن الغضب حين يتراكم في الصمت، يتحول إلى زلزال اجتماعي قد لا يبقى محصورا في الجبل.

هل من المنطقي أن نتحدث عن نموذج تنموي جديد بينما لا تصل الدولة إلى قرية مثل آيت بوكماز؟ وهل من المعقول أن تُنفق الأموال على مؤتمرات “العدالة المجالية”، في حين ما زال الناس يقطعون الكيلومترات سيرًا على الأقدام للوصول إلى الطبيب… أو الدفن؟

احتجاجات آيت بوكماز تضعنا أمام سؤال مؤلم: من نحن؟ وأي مغرب نريد؟

آيت بوكماز ليست مجرد قرية، بل اختصار لوطنٍ يتصدع من حيث لا يرى. عندما تتكلم الجبال، فذلك لأن المدن صمّت آذانها. وعندما تخرج القرى إلى الشارع، فذلك لأن النخب أغلقت الأبواب.

لقد آن الأوان لفهم حقيقة بسيطة: المغرب لا يُقاس بحجم الإسفلت أو سرعة الإنترنت، بل بمدى شعور كل مواطن بأن هذا الوطن له… كما هو لغيره.

الوطن الذي لا يحتضن أبناء الجبل، هو وطن ناقص. والوطن الذي يُنصت لما يُقال في الفنادق، ويتجاهل ما يُقال في المسيرات الحافية، هو وطنٌ فقد البوصلة.

آيت بوكماز تنادي. فهل من مُجيب؟ وهل ننتظر أن يسألنا الوطن غدًا: أين كنتم… حين كانت الجبال تمشي؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى