
بقلم الدكتورمصطفى بلعوني باحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية.
يبدو أن الكثير من الممارسين والمهتمين بالشأن السياسي .لبلادنا
وأخص بالذكر المنتسبين للأحزاب السياسية لا يميزون أو يعرفون
الممارسة الحزبية في عملياتها نظرا لضعف التأطير وغياب المدارس والاكادميات السياسية للتأطير والتكوين ونجد حزب ما لا ينظم مدرسة للتكوين .في الفترة الانتدابية من عمر الحزب .هل هي ممارسة أيديولوجية ام ممارسة مؤسساتية ؟ وما الفرق بينها من الناحية الفكرية أو الأدبية
وأين هما يحتوي الآخر هل الايديولوجية تحتوي ذلك لتتحول إلى أجرتها مؤسسات وأجهزة.وتنظيمات أم أن المؤسسة هي التي تنتج الايديولوجية وتحتويها وتحتضنها تم تصبح وعاء لها .
الاديولوجية تتكون من كلمتين الفكرة تم العلم .وأن المنتسبين يقتنعون بالفكرة ويجتمعون حولها و يستحضرون لها دعاة وينشرها في المجتمع ويمكن أن تتحول إلى مشروع مجتمعي قابل للتحقيق ويصل الحزب من خلاله إلى السلطة لتسيير الشأن العام عن طريق الانتخابات العامة.
أما المؤسسة فهي ذلك الجهاز الذي يؤطر الفكرة ويجد لها أجهزة وتنظيمات .لتصريفها والتحكم في ايصالها إلى المجتمع .كما يقوم بإيجاد منابر معبرة عنه لإيصال الفكرة .
وبهذا التشخيص فإن الحزبية ممارسة مؤسساتية مبنية على الصدق والوضوح في الرؤية الإيديولوجية فهي ذلك الغطاء الذي من خلاله يكون التفرد والاختلاف عن الاحزاب الاخرى وبالتالي يصير برنامجا سياسيا لإصلاح البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وتختلف عن الآخر وتطرح قضية جديدة أي فكرة للإصلاح للبلاد ومعالجة بعض الاختلالات كما أنها توجه النقد للوضع القائم السياسي من أجل التصحيح في ظل النظام السياسي القائم وتمارس المعارضة السياسية إذا كانت خارج السلطة للوجه اقتراحات أو مبادرات أو اتخاذ مواقف للمساهمة في تنمية للبلاد بإيجاد حلول للمشكلات الموجودة سواء اقتصادية أو اجتماعية ويتم ذلك عبر الممارسة الديمقراطية للوصول الى تسيير دفة الحكم .وذلك بواسطة اطر مناضلة متمرسة على العمل السياسي والحزبي في تناغم مع ما تقدم به المناضل من تضحيات أو من عطاء لفائدة الحزب وما اقتناعه بالايديولوجية أو المرجعية الحزبية.هذا من الواجهة التنظيرية .
والسؤال الاستنكاري؟ متى تتحول الأيديولوجية إلى ديماغوجية ؟
ومتى يتحول مؤسسات الحزب إلى خدمة المصالح الذاتية والأسرية والفئوية للإجابة على هذا الإشكال الاستفهامي .؟لابد من التعريف بالأيديولوجية والخطاب السياسي والأدبي والتنظيمي الناتج عنها .
أن الاديولوجية هي النسق العقدي والمرجعية السياسية في ظل الثوابت والمبادئ التي تهم الوطن والمواطن وتدافع عليه من خلال تبينها من طرف الحزب .مثل التعادلية أو الاشتراكية او الليبرالية
أو الإسلاموية .وتكون المنافسة بين الأحزاب حسب الضوابط القانونية التي تطبقها الدولة .
أما الديماغوجية وهي التسطيح السياسي وهي دغدغة فن الكلام الموجه المنمق الذي في ظاهره أيديولوجية والأدلجة من أجل الفرد لكي ينتسب إلى الحزب ويتشبث بمشروعه التنموي .
وتتحول إلى ديماغوجية أي الكلام السياسي أو الخطاب السياسي غير مجدي وغير مقنع لانه غير قابل للقياس ولا يتماشى مع حاجات المجتمع وضروريات الشعب هنا يغيب الصدق وتغييب ثقافة الديمقراطية ويغيب سؤال المحاسبة ؟
وتصبح المؤسسات سطحية صورية تخدم الأجندة لأشخاص ولا تخدم الحزبية أي لاتخدم المصلحة الوطنية أو العامة .
بيد آن التأطير والدعاية للحزب تتحول من جهة أخرى علاقة الشيخ بالمريد بين القيادة والقاعدة .ويتحول جوهر الفكرة وقضايا الوطن إلى وسيلة للوصول إلى تثبيت اهداف الشخصية ومصالح الأفراد حسب الولاءات .وتصير الممارسة الحزبية” شخصانية ” تحدد كريعا وصكا من صكوك الأعطيات للوصول إلى المناصب والمكاسب بعيدا عن الاستحقاق والكفاءة والنضالية وبعيدا عن الايديولوجية الحزب المتمثلة في الإصلاح والتصحيح ومحاربة الفساد ..وبناء مجتمع قوي مؤطر أفراده يشارك فيه الجميع وطن يتسع للجميع والثقافة نبذ الخلاف والاختلاف والعناية التعدد الثقافي والاثني وصيانة مصالح الأقليات .
أن الديماغوجية الحزبية تكون في “المجتمع ” الحزبي “اشباحا “وليس مناضلين او رجالات يحبون الحزب والوطن و يصير المنافق ، جديا والكذاب صادقا، والجبان .. شريفا ،.والضعيف ..شجاعا ،و البخيل كريما، وتتغير الصفات بتغير الأحوال وبالمقابل يهمش الشجاع والصادق والكفء وتصير الحزبية طاردة نفورية لا تستطيع أن تصمد أمام الأزمات والتحولات الكبرى للمجتمع وتؤدى الى هدر الزمن السياسي والعزوف وعدم الثقة في الأحزاب .والمشروع المعلن عليه يجمد وفي هذا السياق ينتج “الحزب ” مناضلين غير مخلصين همهم مصالحهم الذاتية وهذا سوف يتبين في الاستحقاقات العامة الوطنية أي الانتخابات والاستحقاقات الحزبية والمؤتمرات .إذن تقديم “العشيرة السياسية لكن المناضل والإطار الكفء الحزبي العقدي يهمش وغير مرغوب فيه .والنتيجة الحزب يضعف مردوده ويتقلص إشعاعه.ويصير الحزب أجوف في هياكله ومفاصله ويتوفر على أشباه مناضلين كثر.يمتحنون إذا أخذ الحزب موقفا وطنيا لصالح البلاد والشعب . وفي بعض المواقف للقضايا الكبرى أي قرارات سياسية .تفاجئ المسيرين الحزبين الحقيقة ما بني لأنهم يعتمدون على رجال يتظاهرون في فترة الزمن السعيد ملتفين حول الحزب وفي الزمن السيئ يندثرون ويتخلون عليه ويصل المسؤول إلى الحقيقة المرة لأن الحزب تحول من مؤسسة إيديولوجية ذات مشروع تنموي عقدي إلى حزبية ديماغوجية وأن الحزب لايستطيع المسايرة وخاصة في تنفيذ المهمات الحزبية عن طريق التطوع ونكران الذات .ويفتقد الحزب هذه الظاهرة ويلجأ إلى “السخرة ” أو إلى أشخاص من خارج الحزب يقومون بخدمات لصالح الحزب ولكن عن طريق الأجور التي تسدد من أجل ذلك وهنا سلسلة “تكوين” الحزب صنع “متناضلين ” يؤمنون بمصالحهم فقط و يغيرون جلدهم كلما دعت الضرورة لذلك .
أن الممارسة السياسية الجدية و المؤطرة و الواعية والناضجة من خلال المؤسسات الحزبية لاستمرار الحزب في الزمن السياسي يتبنى إيديولوجية وهي العقيدة السياسية ليتكئ عليها للوصول إلى الحكم.ودور المنتسبين إلى الحزب يتشبثون اخلاقيا بهذه العقيدة السياسية ويدافعون عليها .و يروجونها في المجتمع. ويبنى الحزب كصرح اجتماعي يكون أما بنيانه قوي ومرصوص أو بناء ضعيف ومتهالك والبناء يتم عن طريقة وسيلة الديمقراطية .في المناصب والتكليفات وليس عن طريق المزاج السياسي والمواقف الذي يخدم مصالح “القيادة السياسية “.
ومن أهم الأجهزة والمؤسسات الحزبية “المقر العام “أو غرفة العمليات كما تسمى في الأدبيات العسكرية ، هو الحوض الكبير الذي تتجمع فيه كل الاهتمامات والخطط من أجل تحريك دواليب الحزب ومفاصله لكي يصل الاكسيجين إلى كل شرايين جسم الحزب على طول شبكة التنظيم .وهذا لا يتأتى إلا بوجود أدمغة أو تروستات أو استراتيجيين بأفكار قوية عارفة بالتنظيم و ايديولوجيته أي مناضلين أقوياء يبدعون ويتفننون في تصريف الايديولوجية ويجدون لها عناصر لتسويقها ويكونون جبهة كقوة اقتراحية ..
أما إذا كان “المحرار” أي “المقر العام” أي ” الغرفة “الحزبي ضعيفا و بواسطته نقيس درجات الحرارة ومنسوبها التنظيم والتأطير واذا كان ضعيفا .فإنه سوف ينشر اليأس والكأبة في التنظيم وفي جسم الحزب. ويصير المناضل الذي بناه الحزب منذ مدة مصاب بالخيبة ولا قدرة له على الحركة لأن المحرار المركزي ضعيفا .وتسود الضبابية في الحزب وتتاخر الاديولوجية ولاتجد لها مناصرين أو دعاة أقوياء متحمسين لنشرها في كل الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية .وتصبح الممارسة الحزبية مع وجود أجهزة معطلة .وتعمل تحت شعار” كم حاجة قضيناها بتركها ” كما أن الحزب يسدد خدمات بدون هدف للمسؤولين همهم ربح الزمن من أجل التوصل” الى الإكراميات وتنشط عملية “الوساطة “لدى القيادة ويتابع الحزب تنظيماته من خلال الوسيط هؤلاء الذين هم “مساعدين ” للحزب في أداء مهامه لايقومون بأي خدمة تذكر.يحافظون فقط على “وضعهم الاعتباري ” ووضعهم كمساعدين في أداء الادارة الحزبية .
وفي هذا الإطار “يتظاهرون” “للقيادة السياسية ” أنهم مخلصين ويقومون بواجباتهم ويحاصرون القيادة تم يغلقون المنافذ الموصلة إليها ولا يتركون أي مقارب له ،لانهم يخافون من الفضح والمسخ.بما يفعلون .ويقول عالم الاجتماع ابن خلدون في هذا الصدد أي الوضعية السياسية الحزبية “ينشط السيف ويكثر الرقاصة ويصنعون أخبارا و”يهيمون ” “القيادة” بالبطولات ويسير مردود القلم والفكر الذي يحاربونه- برانيا -وينزل المنسوب الحزبي على التشبث بالايديولوجية من طرف النخبة أو فئات المجتمع .
غير أن الممارسة الحزبية تصبح ضحلة أي فقيرة جدا للعطاء او الانتاج واعطاء اقتراحات ومبادرات و تتقلص الكوادر المؤمنة الحزبية والإيديولوجية ومرجعياته ومبادئه وقضاياه وطموحاته لدى المنتسبين المناضلين .
وفي الآن نفسه إذا ما لم يتم معالجة هذه الظاهرة الحزبية فإن الحزب لا تنتظر منه تحقيق الأهداف الكبرى وهي المساهمة في التنمية البلاد .ويصل إلى قيادة الحكومة والسلطة عن طريق ربح الانتخابات العامة .
إن العمل الحزبي ، مؤسسات وإيديولوجية وجودها في خدمة الوطن والمواطن. عن طريق ما تسطره من أهداف ، كما ترتبط بقضايا الشعب والوطن وتعمل على خدمته .وهذا هو الرهان الأكبر التنموي للبلاد .إذن الحزبية تكون جزءا من الحلول المقترحة لحل المعادلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
أن الرهان الأكبر على المناضل التشبت بالقيم والأيديولوجية .
ولهذا لابد من صدمة تنظيمية على مستوى الدواليب الحزبية تغيير المتغير.واتخاذ قرارات قوية .وخاصة في المقر العام والأطر المسؤولة إقليميا أو مركزيا المتذبذبين .للقيام بالإصلاح. إذا أردنا ربح الرهانات الكبرى للوطن والمواطن .
لأن المناضل القوي المتشبث بالحزبيبة مثل الجبال في شموخها والسنابل المثمرة في حقولها والاحتكام إلى تقوية المؤسسات عن طريق الديمقراطية الداخلية للحزب ..وأن المناضل بعد الله الأمل والرهان لا تضيعوا الأمل في الحزب لكي يكون رائدا ومقداما .اذا ما تخلص المسؤولين من “الضعفاء “ومن “النميمة السياسية “وانفتح على المناضلين .الاوفياء والمخلصين لتقوية العمل الحزبي لأن هناك أشخاص يأكل منها الحزب ولا يستفيدون منه و أشخاص يأكلون من الحزب طوال حياتهم وهؤلاء يتحولون الى جيوب المقاومة ضد التغيير والإصلاح وكل حياتهم ريعا أي متواكلين على الحزب أن الممارسة الحزبية مؤسساتية وإيديولوجية في نفس الآن تتطلب جرأة قوية ومسؤولين أقوياء .