
بقلم الدكتور عبد الإله طلوع
باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
في خضم التحولات البنيوية التي يعرفها المجتمع المغربي، كما المجتمعات العربية بشكل عام، تعود النخبة إلى الواجهة، لا بوصفها فاعلا محوريا في قيادة التغيير فحسب، بل بوصفها موضوعا للنقد، وإعادة التقييم، بل أحيانا للمساءلة القيمية.
لكن، هل ما زالت “النخبة” تحتفظ بمعناها التقليدي في زمن صار ينتج نجومه من اللاشيء؟ وهل تحول الفضاء العام إلى مسرح تقصى منه العقول لصالح الجاذبية السطحية، هو نتيجة عجز النخبة، أم إعراض المجتمع عنها؟
لقد كانت النخبة، في سياقات ما بعد الاستقلال، معادلا موضوعيا للضمير الجماعي، تنشغل بالهم العام، وتحاور الدولة، وتؤطر الشعب، أما اليوم، فالصورة مشوشة: جزء من النخبة ارتد إلى الامتيازات، وآخر استقال أخلاقيا، وثالث يصرخ في الهامش دون صدى.
ما الذي تغير؟ أهي النخبة التي تهالكت، أم المجتمع الذي أعاد تشكيل علاقته بها؟ وهل يمكن أصلا الحديث عن “نخبة” موحدة في زمن التبعثر الرمزي، وتآكل المرجعيات الكبرى؟
في ظل صعود الوسائط الرقمية، تبدو أشكال جديدة من التأثير والبروز قد ظهرت، اليوتيوبر والـ إنفلوينسر يتقدمون المشهد، لا بفضل عمق الفكر، بل بفضل خفة الانتشار.
هنا يطرح سؤال محوري: هل نحن أمام إبدال تاريخي في وظيفة التأثير، حيث لم تعد المعرفة كافية للقيادة، بل صار “الرأي الخفيف” هو البوابة الوحيدة إلى الجمهور؟
في المقابل، هناك من يرى أن التحولات المجتمعية تفرض على النخبة إعادة تعريف أدوارها، فلم تعد مهمة المثقف أو السياسي أو النقابي أن يلقي خطبا مكرورة عن الأزمة، بل أن يبتكر أدوات الفهم والتغيير.
فهل تملك النخبة الحالية الشجاعة الفكرية لفعل ذلك؟ أم أن أغلبها يعيش داخل قوالب خطابية منتهية الصلاحية؟
ثم، ما موقع الشباب من كل هذا؟ هل هم وقود التحول أم ضحيته؟ وهل النخبة القائمة قادرة على الإنصات إليهم، لا فقط لتأطيرهم، بل لاعتبارهم شركاء في إنتاج المعنى الجديد للسياسة والثقافة والعدالة؟
التحول المجتمعي ليس صنيع الأحداث وحدها، بل هو نتاج صراع الرموز، وتوزيع الأدوار، وتفاوض المعاني.
وإذا كانت النخبة هي مرآة وضمير المجتمع، فربما وجب علينا أن نتساءل بصراحة: أي نخبة نريد؟ وأي دور ننتظر؟ وأي شروط لإعادة تأسيس التعاقد بين من يعرفون، ومن يتطلعون للتغيير؟