وجهة نظر

الشباب والعمل السياسي… في حضرة العزوف والانتظارات

بقلم الدكتور عبد الإله طلوع: باحث في العلوم السياسية

في كل موسم انتخابي تعود الوجوه ذاتها إلى الواجهة، يعود الخطاب ذاته، وتستَخدم الأدوات ذاتها، كما لو أن الزمن السياسي في المغرب يعيد نفسه بطريقة رتيبة، لا تنقصها إلا الإثارة الموسمية في صياغة الشعارات.
وبينما يبدو المشهد محكوما بمنطق التكرار، يتم استدعاء الشباب ـ كفئة ـ لا كمشروع، وكصوت انتخابي لا كفاعل منخرط في التغيير. فيُسأل الشباب عن سبب العزوف، بينما نادرا ما تسأل السياسة عن سبب التهميش.

لكن الحقيقة المحرجة، التي كثيرا ما يتم الالتفاف عليها، أن السياسة حين تَشيخ لا يعود في وسعها أن تغري الجديد، ولا أن ت

قنع من لم يتورط بعد في فساد المعنى.
والشباب في هذه البلاد، في غالبيتهم، لم يرفضوا الفعل السياسي بقدر ما رفضوا أن يكونوا ديكورًا في مسرح قديم الإضاءة والديكور، ممّا يجعلهم في موقع التفرج أو الانسحاب بدل المبادرة والمغامرة.

ومع ذلك، فليست كل المسافة قائمة على اليأس. إذ ثمة خيوط رفيعة، بالكاد تُرى، تشير إلى أن وعياً جديداً يتشكل في صمت. شباب لم يعد يكتفي بلعب دور الضحية، بل يراقب، ويقارن، ويسائل، وقد يقرر أن يخلخل الكراسي، لا بمنطق الصدام، بل بمنطق المشاركة الذكية.
فالشباب بات يدرك أن تغيير موازين القوى لا يتم بالشتم على وسائل التواصل، بل بالاقتحام الهادئ للمؤسسات، وبالتحول من التذمر إلى الفعل، ومن رد الفعل إلى بناء البديل.

وما نحتاجه اليوم ليس تجميل السياسة القديمة بوجوه شابة، بل أن يفرض الوعي الجديد منطقه داخل الساحة، ولو بالتدريج، وأن تنشأ لغة جديدة، لا تستعير قاموس الأحزاب، ولا تستنسخ أوهام الثورة، بل تؤمن بأن التغيير، وإن تأخر، لا يُنجز إلا على يد من يقرر أن يكون جزءاً من اللعبة لا مجرد شاهد عليها.

الانتخابات القادمة قد لا تكون لحظة خلاص، لكنها قد تكون فرصة لاختبار مدى نضج الوعي الشاب، إن هو قرر أن يخطو نحو الفعل. فالمعادلات السياسية لا تتغير بالرغبة، بل بالتحرك داخل الحلبة، مهما بدت قواعدها مائلة. وقد آن لهذا الجيل أن يربك الموازين، لا بالعدد فقط، بل بالأفكار، وبالقدرة على الحضور النوعي داخل المؤسسات، وفي قلب القرار.

ففي النهاية، ليست السياسة سوى مرآة لموازين القوى داخل المجتمع، وإذا ظلت هذه الموازين جامدة، فذلك لأن من يمكنهم تحريكها اختاروا الانزواء أو انتظروا التغيير من الأعلى. لكن التاريخ ـ كما نعلم ـ لا يكتب بانتظار الفرج، بل بمن قرروا أن يصنعوا طريقهم ولو وسط العتمة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى