
يخلد المغرب، صباح اليوم الخميس على غرار باقي دول العالم، عيد الشغل فاتح ماي، وهو مناسبة رمزية ذات حمولة نضالية، تعبر فيها الطبقة العاملة عن مطالبها، وتستحضر مسيرتها في سبيل تحسين ظروف العمل والحياة الكريمة. ويأتي هذا اليوم كتقليد اجتماعي ونقابي راسخ، يحمل في طياته الكثير من الرسائل الاجتماعية والسياسية، ويعكس نبض الشارع العمالي في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد.
يرتبط عيد الشغل بأحداث تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين خرج العمال في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1886 مطالبين بتحديد ساعات العمل في ثماني ساعات يومياً. وقد شهدت التظاهرات آنذاك قمعا عنيفا، لتتحول الذكرى إلى رمز عالمي لنضال العمال.
في المغرب، بدأ تخليد هذا اليوم منذ عشرينيات القرن الماضي، لكن حضوره ترسخ بقوة بعد الاستقلال، حيث أصبح مناسبة رسمية للنقابات العمالية للتعبير عن مطالبها واحتجاجاتها، في مسيرات شعبية تجوب شوارع المدن الكبرى، حاملة الشعارات واليافطات التي تترجم انتظارات الطبقة الشغيلة.
يحل فاتح ماي 2025 في ظرفية اجتماعية دقيقة، تتسم بارتفاع تكاليف المعيشة، واتساع دائرة الهشاشة، وتنامي البطالة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات، بالإضافة إلى استمرار مطالب فئات واسعة بتحسين الأجور وظروف العمل. وتستغل النقابات هذه المناسبة لتسليط الضوء على اختلالات سوق الشغل، والمطالبة بتفعيل الحوار الاجتماعي وتنزيل الاتفاقات الموقعة مع الحكومة.
رغم المبادرات الحكومية من قبيل رفع الحد الأدنى للأجور، وتوسيع الحماية الاجتماعية، تبقى الفوارق الطبقية والتفاوتات المجالية حاضرة بقوة، مما يضع تحديات كبيرة أمام النموذج التنموي الجديد، ويُبرز الحاجة إلى إصلاحات أعمق تضمن عدالة اجتماعية وإنصافا حقيقيا للطبقة العاملة.
يتخذ الاحتفال بفاتح ماي طابعا مزدوجا في المغرب، فهو يوم للاحتجاج والمطالبة، لكنه أيضاً لحظة فخر واعتزاز بعطاءات الشغيلة في مختلف القطاعات. فالعامل المغربي، سواء في المصانع أو الحقول أو المكاتب، يشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ويستحق الاعتراف بجهوده وحقوقه.
وتتنوع مظاهر الاحتفال بين المسيرات والوقفات التي تنظمها النقابات، والبيانات الرسمية التي تُصدرها مختلف الأطراف، والتي غالباً ما تعكس تقاطع المطالب العمالية مع التحولات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد.
يبقى فاتح ماي بالمغرب أكثر من مجرد مناسبة رمزية؛ إنه مرآة تعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي للطبقة العاملة، ومنبر للتعبير عن الأمل في مغرب أكثر عدلا وإنصافا. وبين استمرار النضال وتحقيق المكتسبات، يبقى صوت العامل حيا، لا يقهر، يطالب بالكرامة والعمل اللائق والمستقبل الأفضل.