وجهة نظر

من حياة بنت شعيب التمسماني الى سمية بنت عبد الاله بنكيران

بقلم حياة بوفراشن فاعلة سياسية

عزيزتي سمية، المرأة الرقيقة الجميلة، الجامعية، المناضلة، الموظفة السابقة، الزوجة و…
ما رأيك فيما قاله بابا بنكيران؟
هل صحيح أنه يجب أن نسارع إلى الزواج قبل أن ينقرض الرجال ونبقى وحيدات، بئيسات، مكتئبات، بلا معيل ولا سند في الحياة؟
هل صحيح أنه يجب أن نؤجل كل أحلامنا وطموحاتنا، وأحلام آبائنا وأمهاتنا، وقبيلتنا، ووطننا، فقط لنفوز بـ”الزوج الموعود”؟
هل جربت يا سمية فعالية وصفة بابا؟ وهل أنت اليوم امرأة مكتملة النضج والعلم والإنتاج بفضل هذه الوصفة؟
لماذا انتظر السيد بنكيران كل هذا الوقت، وهو الذي سنحت له الفرص ليكون أكثر تأثيرا، ليزف لنا هذا “الخبر” ويشاركنا هذا “السر الخطير”؟ هل كان عليه أن يجرب فعاليتها فيك أولا؟

عندما استمعت إليك، يا سمية، بكثير من الاهتمام ـ كعادتي ـ إلى كلام “بابا بنكيران”، وهو بالمناسبة في عمر أبي رحمه الله (وأطال الله في عمر السيد عبد الإله)، رجعت بي الذاكرة إلى جلسة أنس ذات مساء صيفي، إلى حديث شيق في حالة صفاء، مليء بالدروس والذكريات، دار بيني وبين أبي، رحمه الله، ذلك الرجل العصامي، ابن جبال الريف، الذي نحت في الصخر ليجد نفسه، في خمسينيات القرن الماضي، ضمن بعثة علمية للدراسة في جامعة الأزهر بالقاهرة.

مدينة القاهرة، بما تختزنه من حضارة ضاربة في العمق، جعلت من نفسها ملتقى للعلماء والأدباء والمفكرين. حكى لي أبي كيف انبهر بما رآه هناك من رقي في التفكير والسلوك، بين الرجال والنساء على السواء. وكيف لم يتمالك نفسه وانهمرت الدموع من عينيه عندما وقعتا على امرأة تقود سيارة في شوارع القاهرة! وكيف لا، وهو القادم من “الريف المغربي”، وأقصى ما رآه قبلها كان مدينة فاس العالمة.

لم يفهم حينها، وهو ابن البادية الصلب، تلك المشاعر التي اجتاحته، ولماذا ذرف الدموع بلا مقدمات، ودون أن تمسّ نخوته وكبرياءه الرجولي. قال لي، شاردا: ربما كانت دموع الدهشة والفرح بالاكتشاف، وربما كانت دموع أمل في غد أوسع أفقا.

لكن رغبة واحدة علقت في ذهنه ووجدانه منذ ذلك اليوم: أن يكون له بنات، وأن يجعل منهن سيدات أنفسهن، لا سيدات مجتمع فحسب، بأن يسلّحهن بالعلم والمعرفة وكل المهارات التي تمكنهن من مواجهة نوائب الحياة.

أتعلمين يا سمية؟ لقد تحقق حلمه. رأى في بناته نساء مغربيات مكتملات الأنوثة، ولكن أيضًا مكتملات المواطنة والعلم.

ونحن، الأطر العليا الجامعيات، لم نجد صعوبة في إيجاد رفيق الدرب، بل و”الفوز بالزوج”، كما يسميه منطق بابا بنكيران. بنينا أسرًا مستقرة، وربينا أبناءً أكرمنا الله بهم، وحرصنا على تسليحهم بالعلم أولًا، كأغلى رأسمال غير مادي.

لا أخفيكِ أننا، نحن الإخوة، نترحم صباح مساء على روح أبينا الطاهرة، وعلى فكره المستنير، ونظرته الاستشرافية. لقد مات وهو ضابط سامٍ، مات مكللا بنيشان الشرف، ولكنه مات أيضًا منضبطًا لقيمه، ولمؤسسته، ولوطنه.

اسألي يا عزيزتي سمية، بابا بنكيران، هل هو فعلا مقتنع بما تفوه به؟ أم أنها مجرد “حمى الانتخابات”؟

بلغي له سلامي، ومتمنياتي له بالصحة وطول العمر،
وقولي له: إن وراء كل امرأة عظيمة، رجل عظيم… الأب، هو من يصنع عظمة ابنته.
وكان في وقت قريب، في تاريخ المغرب، في مقام أبينا.

لا تمزح بمكتسباتنا وحقوقنا، يا بابا بنكيران… لا، ولن نسمح بذلك.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى