
متابعة: فاطمة البكاري – الرباط
لا شك أن المتتبع لأنشطة ومهام الهيئة العربية للمسرح داخل وخارج الرقعة الجغرافية العربية، ينتابه الكثير من التساؤل حيال الجهد المظني والتواصل على مدار السنة للقائمين على هذا الصرح الفني والفكري والأدبي والثقافي المتواتر في برامجه السنوية وفي دورات مهرجاناته بالأقطار العربية بشكله المنتظم والسلس. وهو تساؤل مشروع بالنظر إلى الدقة المتناهية التي تدار بها دورات مهرجان الهيئة العربية للمسرح في كل قطر عربي على حدة.
حيث تسمو قواعد الضبط والصرامة عالياً في سماء خشبات أبو الفنون بكل مقوماته المجسورة بدهاء الاحترافية والجرأة والإقدام ونزاهة القيم والفكر في تدبير دورات مهرجان الثقافة العربية بكل روافدها الفنية والإبداعية والمسرحية. ما جعل إشعاع الهيئة العربية للمسرح يحجز لها مكاناً بامتياز بين منصات المسرح العالمي، قبل أن تصبح رقماً صعباً في المعادلة الدولية والإقليمية لهذا الفن الراقي بكل ما تحمله الكلمة الإبداعية والثقافية من وزر.
وكان أن نجح مهندسو هذا الصرح المسرحي في جعل الهيئة حاضنة لا محيد عنها للرواد والهامات والقامات والشباب والناشئة من كلا الجنسين في عالم المسرح والتمثيل بالمنطقة العربية. نعم، لقد فرضت الهيئة العربية للمسرح وجودها بقوة الشيء وفعله، وحولت دوراتها المتتالية إلى ورش فني للخلق والإبداع والابتكار والتنوع والانفتاح الهادف على تجارب خشبات المسرح العالمي.
ورفعت سقف التحدي عالياً في جميع التخصصات ذات الصلة بالصناعة المسرحية والجغرافيا الثقافية، وكسرت عن سبق وإصرار كل القواعد الكلاسيكية السائدة في الركح العربي. كما رسخت لجيل جديد من المفاهيم والأفكار والنظريات الرامية إلى إعادة تشكيل الوعي الثقافي والفكري والأدبي والفني في الفعل المسرحي المتعارف عليه عالمياً في منصات فنون العرض.
وها هي الهيئة ذاتها تضرب موعداً جديداً في العاصمة المصرية القاهرة في النسخة الـ16 لمهرجانها ما بين 10 و16 من شهر يناير 2026، معلنة توهجها الثقافي فوق أرض الفراعنة في أعتى درجات التحدي والصولجان، مؤكدة علو كعبها وثبات نهجها في رفع الشأن المسرحي العربي إلى الدرجات العلى، بحكمة وتبصر ونفاذ عمق الرؤى واستشراف استراتيجي للمستقبل المنظور.
إنه لعمري إيمان صادق من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والأطر والكوادر المسرحية والأكاديمية الساهرة مع سموه على خدمة المسرح العربي بكل تجلياته، بعدالة وحق الفنانات والممثلين العرب في التتويج والرقي والتطور والنهوض غير المعهود برسالة المسرح داخل المجتمعات العربية على كافة المستويات الثقافية.
ولم يقتصر المؤتمنون على تدبير شؤون الهيئة العربية للمسرح على عملية تنظيم تسلسل الدورات باعتبارها أرقاماً مضافة إلى العدد، بل سخروا لها جميع الإمكانيات المادية واللوجيستيكية والمعنوية والتحفيزية بشكل يفوق كل التوقعات، بعيداً عن حقيقة الجوائز غير المسبوقة للعروض المرشحة للتنافس والظفر بها.
فثمة تحفيزات ودعم وعناية موصولة وشخصية من طرف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لكل الفنانين والممثلين والفرق المسرحية العربية، وكذا الضيوف الذين يتشرفون بحضور فعاليات مهرجان الهيئة العربية للمسرح في كل دوراته التي تغطي جميع خشبات مسارح الدول العربية المحتضنة لها. إيماناً من سموه بإعلاء شأن ومكانة المسرحيين العرب، وتوفير البيئة الفنية السليمة لهم، وتقوية وتطوير مهاراتهم وإبداعاتهم ومواهبهم في كل المجالات الثقافية نصرة للرسالة النبيلة لأبي الفنون داخل حاضرة الوطن العربي.
وتأسيساً على هذا المنحى، لا يمكن القول إنه من السهل قيادة قطار المسرح العربي بالهيئة العربية للمسرح وصموده لما يقارب العقدين من الزمن في ظل التحولات العالمية والتحديات المتناثرة هنا وهناك، وكذا المعيقات والصعاب التي تعتري الفنان والممثل العربي. بل الأمر يقتضي حصافة ورباطة جأش ورؤية استراتيجية ثاقبة وتحمل مسؤولية وقوام وحنكة وتبصر وجهد مضنٍ متواصل على مدار السنة.
وهي الأمانة والعهدة الكبيرة الملقاة على عاتق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي والساهرين على حماية وصيانة وأمان هذا البيت العربي الشامخ “الهيئة العربية للمسرح” التي يرأسها الأمين العام الدكتور إسماعيل عبد الله بكل مسؤولية وتواضع ونكران الذات، رفقة جنود الخفاء.
وتبقى الهيئة العربية للمسرح تشريفاً وفخراً لكل المسرحيين والمثقفين العرب.
والله من وراء القصد.






