
بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع
باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
ليست المدرسة المغربية بمنأى عن الزلزال التكنولوجي الذي أحدثته ثورة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل إنها تجد نفسها اليوم على مفترق طرق: بين الإبقاء على نمط تقليدي يئن تحت ثقل أعطاب متراكمة، وبين الانخراط في ورش رقمي عميق يحمل وعودا كثيرة… لكنه لا يخلو من مخاطر وصدمات.
فالذكاء الاصطناعي، بقدر ما يقدم إمكانيات غير مسبوقة لتحسين جودة التعليم وتكييف المحتوى مع قدرات كل متعلم، بقدر ما يطرح أسئلة مقلقة حول العدالة، والهوية، والسيادة التربوية.
وهنا، تطرح المدرسة المغربية سؤالا وجوديا: هل نحن بصدد إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن مشروع إصلاحي شامل، أم مجرد ركض وراء موضة رقمية دون بوصلة؟
أول الفرص التي تتيحها هذه الثورة هي القدرة على تخصيص التعليم: تطبيقات تحليل الأداء يمكن أن تساعد المدرسين على فهم مكامن القوة والضعف لدى كل تلميذ، ما يمكن من توجيه الدعم البيداغوجي بشكل دقيق، لكن هل تتوفر المدرسة المغربية على بنيات تحتية رقمية قادرة على احتضان هذه الأدوات؟
في ظل غياب تجهيزات أساسية في كثير من المناطق، قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى ترف تربوي تحتكره النخبة، بدل أن يكون أداة ديمقراطية للإنصاف التربوي.
كما أن إدماج الذكاء الاصطناعي يطرح تحدي التكوين: هل أعد الأساتذة لمواكبة هذا التحول؟ فالمعلم ليس مجرد منفذ للمحتوى الرقمي، بل هو موجّه ووسيط نقدي بين المتعلم والتكنولوجيا. وأي إدماج للذكاء الاصطناعي دون تمكين الأستاذ من امتلاك أدواته المعرفية والبيداغوجية، هو وصفة لفشل مرتقب.
من ناحية أخرى، تطرح هذه الطفرة الرقمية سؤال السيادة الثقافية: هل تملك المدرسة المغربية محتوى تربويا رقمياً متجذرا في هويتها وسياقها؟
أم أننا بصدد استيراد نماذج تعليمية أجنبية لا تراعي الخصوصيات السوسيولوجية المغربية؟ الذكاء الاصطناعي ليس محايدا، بل يكرس نماذج تفكير وقيم ضمنية. وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن تتحول المدرسة إلى حقل تجريب لنماذج مفروضة، لا مُنتجة.
وفوق كل ذلك، تبقى التحديات الأخلاقية حاضرة بقوة: من يضمن حماية المعطيات الشخصية للأطفال؟ وكيف نؤطر استخدام الذكاء الاصطناعي داخل المدارس بقوانين واضحة تحمي المتعلم من أي استغلال أو تصنيف غير عادل؟ في غياب إطار قانوني صريح، قد تفتح التكنولوجيا الباب أمام انتهاكات صامتة باسم الجودة والمردودية.
لكن رغم هذه التحديات، لا ينبغي أن نقع في فخ التشاؤم.
فالذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية لإعادة تعريف المدرسة المغربية: لا فقط كفضاء للمعرفة، بل كمنصة لاكتشاف المواهب، وتنمية التفكير النقدي، وبناء الشخصية المتوازنة.
لكن هذا لا يتحقق بالنيات الحسنة، بل بمشروع تربوي وطني جامع، يدمج التكنولوجيا في إطار رؤية إنسانية وقيمية عميقة.
إن المدرسة المغربية لا تحتاج فقط إلى تطبيقات ذكية، بل إلى سياسة ذكية. سياسة تعتبر الذكاء الاصطناعي وسيلة لا غاية، وتضع الإنسان – الطفل، والمربي، والمجتمع – في قلب الإصلاح التربوي.