مجتمع

عيد الأضحى دون أضاحي: قرار ملكي حكيم بين وعي الدولة ولهفة المواطن

بقبم ابتسام الغلمي 

على بعد أيام قليلة من حلول عيد الأضحى المبارك، تعيش المملكة هذه السنة أجواء غير مسبوقة، بعد القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية نظرا لعدم كفاية القطيع الوطني، وهو قرار استثنائي أملته ظروف موضوعية تتعلق بندرة العرض وارتفاع كلفة الاستيراد وتأثر القطاع الفلاحي بسلسلة من التحديات، على رأسها الجفاف.

القرار، الذي جاء بتعليمات سامية من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، هدفه حماية المواطنين من المضاربات والاحتكار، والحفاظ على القدرة الشرائية في ظل ظرف اقتصادي صعب. وقد لاقى تفهما واسعا من فئات عريضة من المجتمع، كما عكس حرص المؤسسة الملكية على تقديم مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.

لكن المفارقة التي أفرزتها هذه السنة، أن قرار الإلغاء لم يمنع بعض المواطنين من اللهث وراء اقتناء اللحوم ومشتقاتها بكميات مفرطة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وأتاح الفرصة أمام بعض المتلاعبين والفاسدين للركوب على هذه “اللهطة” واستغلالها لرفع الأثمنة بشكل عشوائي في الأسواق المحلية، دون أي ضمير أو رقابة صارمة.

فأمام غياب الأضاحي، تحول الإقبال إلى شراء رؤوس الأغنام المعدة للذبح غير الرسمي أو شراء كميات كبيرة من اللحوم الحمراء، في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام حول وعي المستهلك المغربي وسلوكياته الاستهلاكية، خاصة في المناسبات الدينية.

السؤال الجوهري اليوم ليس فقط عن من تسبب في ارتفاع الأسعار، بل عن من يتحمل مسؤولية تفشي هذا السلوك:
هل هو المواطن الذي لم يتأقلم بعد مع ثقافة الترشيد والاعتدال؟ أم الحكومة التي لم تواكب القرار الملكي بإجراءات صارمة لمراقبة السوق وضبط الأسعار؟

الجواب قد يكون في شراكة غير متوازنة بين الاثنين، حيث المطلوب من المواطن أن يتحلى بالوعي والمسؤولية، والمطلوب من الحكومة أن تكون حاضرة بقوة، ليس فقط عبر التصريحات، ولكن عبر التدخل الميداني، من خلال المراقبة، والزجر، ومنع أي استغلال لحاجة المواطن.

قرار إلغاء الأضحية هذا العام ليس نهاية شعيرة، بل هو تعبير عن روح الإسلام الذي يوازن بين العبادة والواقعية، ويضع مصلحة الأمة فوق الشكليات. لكن هذا القرار لا يفترض أن يتحول إلى ذريعة للانفلات الاستهلاكي أو الفوضى السوقية.

فالملك رفع الحرج، لكن بعض المواطنين لم يرفعوا أيديهم عن لهفة معدتهم، وهنا يكمن الخلل.

ويبقى السؤال مفتوحا: متى نرتقي جميعا، حكومة ومواطنين، إلى مستوى القرارات الكبرى التي تخدم الوطن وتحصن المجتمع من جشع اللحظة وأنانية السوق؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى