وجهة نظر

من الدفاع إلى الاستباق: تحوّلات المقاربة المغربية في قضية الصحراء بين الشرعية التاريخية والهندسة الاستراتيجية للترافع الدولي

بقلم الدكتور طلوع عبدالإله – باحث في القانون العام والعلوم السياسية

مقدمة:

تمثل قضية الصحراء المغربية اليوم أحد أبرز رهانات السيادة الإقليمية في شمال إفريقيا، ليس فقط على المستوى الوطني، بل كذلك ضمن إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. وإذا كانت الأطروحة المغربية قد ظلت لعقود مرتكزة على التمسك بالشرعية التاريخية والقانونية، فإن التحول الأبرز في المقاربة الرسمية يتمثل في الانتقال إلى منطق المبادرة، عبر تفعيل مقومات الاستباق، الدبلوماسية الاقتصادية، وربط التنمية بالاعتراف.

إشكالية الدراسة:

– ما هي الأسس التي بنت عليها الدولة المغربية هذا التحول من موقع الدفاع إلى استراتيجية الاستباق؟
– وكيف أسهمت المبادرات الملكية والدبلوماسية البراغماتية في إعادة توجيه النقاش الدولي بشأن الصحراء؟
– وهل يمكن اعتبار مبادرة الحكم الذاتي، في السياق الحالي، نقطة ارتكاز جديدة للشرعية الدولية؟
– ثم ما موقع المنتظم الدولي اليوم بين أطروحة الواقعية المغربية ومناورات الجمود الانفصالي؟

أولاً: نحو إعادة بناء الشرعية: من التاريخ إلى التفاوض

1. الشرعية التاريخية والسياسية:

تمثل البيعة التاريخية بين قبائل الصحراء والعرش العلوي قاعدة مركزية في بناء المشروعية الترابية للمغرب. وقد دعمت محكمة العدل الدولية هذا المعطى سنة 1975 حين أقرت بوجود روابط قانونية وروحية بين الساكنة الصحراوية والسلطة المركزية، رغم عدم اعتبار ذلك “سيادة تامة”.

2. منطق المبادرة وتحوّل الخطاب:

طرح المغرب سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي كصيغة متقدمة للتفاوض، معتبراً إياها الحد الأقصى الممكن في إطار الوحدة الترابية. وقد أُعيد تقديم هذه المبادرة ضمن مرجعيات أممية متكررة، ما يضفي عليها قوة دبلوماسية مزدوجة: واقعية سياسية ومصداقية تفاوضية.

ثانياً: هندسة الترافع الجديد وتحوّل السياق الجيوسياسي

1. الديبلوماسية متعددة المسارات:

لم تعد الرباط تعتمد فقط على البعد الرسمي في تحصين مكتسباتها، بل باشرت استراتيجية متكاملة تشمل الترافع الأكاديمي، الإعلامي، الثقافي، والمجتمعي، إلى جانب العمل مع الجاليات بالخارج، والمنظمات الإقليمية والدولية.

2. تقاطع الرهانات الدولية:

جاءت الاعترافات المتوالية بسيادة المغرب على صحرائه من قوى وازنة (كالولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا) لتعكس ليس فقط اقتناعًا بشرعية الطرح المغربي، بل أيضاً إعادة اصطفاف استراتيجي في مواجهة التمدد الجزائري-الإيراني في الساحل والصحراء.

3. السؤال التنموي كآلية دعم للترافع:

يشكل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية (الذي أُطلق سنة 2015) تجسيداً لإرادة الاندماج الفعلي للمجال الصحراوي في قلب المشروع الوطني، وتحويلاً ملموسًا لمفردات السيادة إلى مكتسبات اجتماعية واقتصادية، ما يعزز من قوة موقف المغرب في المحافل الدولية.

خاتمة وتساؤلات مستقبلية:

إن المقاربة المغربية الجديدة بخصوص قضية الصحراء تجاوزت منطق “الرد على الخصم” نحو منطق “فرض واقع السيادة بالأدوات الذكية”، مما يفرض طرح أسئلة مركزية:
– كيف يمكن للمغرب أن يعزز من شرعية مشروعه داخلياً بمزيد من التمكين الديمقراطي والتنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية؟
– وهل سيصمد هذا الزخم أمام تغير محتمل في ميزان القوى الدولية أو تقلب مواقف بعض الدول المؤثرة؟
– ثم ما المطلوب من الجامعة، ومن المجتمع المدني، ومن المثقف المغربي، للمساهمة في هذا المشروع الوطني من موقع الفعل لا التلقي؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى