
أثار خطاب جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش، والذي دعا فيه صراحة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب والجزائر، تفاعلا واسعا وغير مسبوق على مختلف المستويات، سواء في التغطية الإعلامية أو على منصات التواصل الاجتماعي.
وسجل مراقبون تفاعلا لافتا من طرف عدد كبير من المواطنين الجزائريين الذين عبروا عن ترحيبهم بدعوة الملك، وأبدوا رغبة صادقة في تجاوز الخلافات وبناء علاقات أخوية وطبيعية بين الشعبين الشقيقين. غير أن هذا التفاعل الشعبي، على زخمه الإيجابي، لم يواكب بقدر كاف من الجرأة في تناول السبب الجوهري للتوتر المزمن، والمتمثل في إصرار النظام الجزائري، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون وعدد من جنرالات الجيش، على دعم جبهة البوليساريو الانفصالية.
لقد تسبب هذا الدعم العسكري والسياسي السافر، الممتد لأكثر من خمسة عقود، في عرقلة كل محاولات التقارب، رغم التغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، ورغم الهزائم المتكررة التي مني بها هذا الخيار في المحافل الدولية. وظلت قضية الصحراء المغربية ورقة الابتزاز الوحيدة التي يستخدمها النظام الجزائري لمحاولة كبح تطور المغرب، بدل الانخراط في مشروع تكاملي يخدم المنطقة المغاربية.
وفي هذا السياق، اعتبر متابعون أن خطاب الملك محمد السادس ليس فقط نداء للأشقاء، بل فرصة تاريخية تمنح النظام الجزائري مخرجا مشرفا من سياسة عقيمة أثبتت فشلها، وتمد يداً صادقة نحو مصالحة حقيقية تُنهي عقوداً من التوتر وتفتح الباب أمام مستقبل مشترك يقوم على التعاون والتنمية.
ومع ذلك، لم تسجل أي مؤشرات واضحة على وجود تحول في موقف صناع القرار بالجزائر، الذين يواصلون إنفاق ثروات الشعب الجزائري على مشروع انفصالي محكوم بالفشل، بدل استثمارها في بناء علاقات تعاون مع الجار الغربي.
ويؤكد محللون أن النخب الجزائرية، التي تعلن رفضها للفتنة وتدعو إلى علاقات طبيعية مع المغرب، مدعوة اليوم إلى تجاوز لغة التمني، وإظهار صدق نواياها عبر مساءلة النظام وانتقاد سياساته بشكل واضح، بدل التزام صمت يُفهَم منه التواطؤ أو العجز.
فالدعوة إلى طي صفحة الماضي لا تستقيم مع التغاضي عن الدعم اللامحدود للبوليساريو، ولا يمكن أن يبنى السلام في ظل الإصرار على تغذية النزاع. وإذا استمر الصمت، فإن المغرب، الذي راكم مكتسبات دبلوماسية واستراتيجية بارزة، سيتجه بثبات نحو الحسم النهائي لهذا الملف في إطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية، مما قد يدخل النظام الجزائري في مأزق دبلوماسي جديد، قد تكون كلفته أثقل مما يتصور.