
قال محمد عبد النبوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن منازعات الدولة أصبحت من أبرز مظاهر القصور القانوني، لما تعكسه من اختلالات على مستوى التخطيط وضعف التنسيق بين مكونات الإدارة العمومية.
وفي كلمة ألقاها نيابة عنه منير المنتصر بالله، الأمين العام للمجلس، خلال المناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها”، كشف عبد النبوي أن الدولة تواجه سنويا نحو 60 ألف ملف نزاع، يهمّ معظمها قضايا المسؤولية والعقود الفردية ومنازعات الشغل والاستثمار، وهو ما يستدعي وقفة تقييمية جادة للحد من تداعيات هذه الظاهرة القانونية والمالية.
وأوضح أن أغلب هذه الملفات لا تصل إلى الوكالة القضائية للمملكة إلا في مراحل متأخرة، مما يقلص فرص التدخل الوقائي ويتسبب في خسائر جسيمة للمال العام، بلغت في إحدى السنوات حوالي 5.4 مليار درهم، كان بالإمكان تجنبها عبر مقاربات استباقية فعّالة.
وأرجع عبد النبوي أحد الأسباب الجوهرية لهذه الوضعية إلى غياب الانسجام بين بعض القرارات الإدارية والنصوص القانونية، ما يؤدي إلى صدور قرارات غير مؤسسة قانونيا، تحمل الدولة التزامات مالية غير مبررة.
ودعا إلى ضرورة تجاوز منطق التدبير بعد وقوع النزاعات، والانتقال إلى مرحلة الوقاية والاستباق، من خلال ترسيخ ثقافة التوقع القانوني داخل الإدارات العمومية لضمان احترام القانون وتحقيق النجاعة في الأداء العمومي.
وأكد أن القضاء الإداري، من موقعه الدستوري، يشكل حجر الزاوية في ترسيخ المشروعية، سواء من خلال إصدار أحكام قانونية سليمة أو توجيه الإدارة نحو احترام روح القوانين والدستور.
وأشار إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية شرع في تنفيذ رؤية جديدة لتعزيز التخصص القضائي في المادة الإدارية، عبر تكوين قضاة مختصين وتسريع وتيرة البت في القضايا لضمان عدالة ناجعة.
وشدد عبد النبوي على أن تدبير منازعات الدولة لم يعد ترفاً إدارياً، بل خياراً استراتيجياً وضرورة دستورية، لكون كل درهم يُهدر في هذه النزاعات كان بالإمكان استثماره في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم.
كما حذر من تأثير هذه المنازعات على مناخ الاستثمار، لما تسببه من فقدان للثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، مما يضعف من جاذبية المغرب كوجهة استثمارية.
وفي ختام كلمته، شدد على أهمية رقمنة تدبير المنازعات وتبسيط المساطر القضائية، داعياً إلى إحداث منصة رقمية لتعزيز التواصل بين الجهاز القضائي والإدارات العمومية، معرباً عن أمله في أن تفضي المناظرة إلى توصيات عملية تؤسس لتدبير فعّال يقوم على التوقع والتنسيق والوقاية.